المنطقة الرمادية: بين الانغلاق والتنازل

ترودني دائمًا إحدى تلك الأفكار والآراء الفلسفية كلما حلّ الليل، وبشكلٍ ما، تواصل التدفق تباعًا: سؤالٌ يخلفه هاجسٌ آخر يحلّ محله، يؤرقني ويجعلني متيقظة تمامًا طوال الليل، وكأنني على خصام مع النوم.

حدث أن وجدتُ نفسي أناقش أحد أصدقائي حول فكرة الانتماء
هل الأمر شائك قليلًا؟ هل نتغير لنجد القبول؟ أم نفقد أنفسنا في سبيل الانتماء؟

أحيانًا قد نقابل آخرين نختلف معهم في أمور مفصلية كثيرة؛ في المبادئ الأساسية، في طريقة التفكير، وحتى في رؤيتنا للحياة.
وقد نبدأ، بدافع الرغبة في الامتثال لتلك الشعارات التي تخبرنا بأن على الإنسان الحديث أن يكون منفتحًا ومتقبلًا لكل البشر أيًّا كانوا، دون أحكام…
نبدأ نُلين مبادئنا، ونعيد تشكيلها بالشكل الذي يتجانس مع القالب.

وهنا يأتي السؤال الحقيقي:
هل نحن بذلك في طريقنا للنمو والتطور؟
أم أننا نتخلى عن أنفسنا في محاولة يائسة للانتماء؟

أعلم يقينًا –ومن واقع تجربة– أن الانتماء لا يجدر به أن يأخذ شكلًا معينًا، ولا أن يتشكل بما يتجانس مع الآخرين بالضرورة.
التقبّل لا يعني أن نذيب أنفسنا في الآخرين،
وأن تكون متفتحًا لا يعني أن تفقد جوهرك.
من الممكن أن نتقبل الآخرين دون أن نساوم على قيمنا، دون أن يُشعرنا اختلافنا بالذنب.

نحن في حاجة للمرونة… لكن بوعي.

في لحظات كثيرة، وفي محاولة مني لأكون شخصًا “أفضل”،
شخصًا متقبلًا للآخر باختلاف أفكاره ومبادئه وطريقة عيشه للحياة،
كنت أشعر بالتخبط.

هل هذه أنا بالفعل؟
أم نسخة معدّلة مني؟ لا أزال في تلك المنطقة الرمادية بين محاولات التقبل والضياع. أحاول أحياناً أن لا أنجرف بالكامل وفي الوقت ذاته أريد أن أكون حاضرة بكل جوارحي في هذه الرحلة ببصيرة مختلفة جديدة! دون أن أنغلق على ذاتي ودون أن أقدم على تنازلات مؤلمة. وهنا لا أعني شعور الانتماء للآخر وإنما عن صراعك الذاتي الصغير الذي لا تجيد صياغته على نحو مفهوم احياناً, عن محاولاتك المستميتة في صقل ذاتك أو وباعتقادك ان اجبار ذاتك على ما تكره أو ما لا تطيق بأنك بذلك تحسن صنعاً, لكنك في واقع الأمر تصعب الأمور وتختار أن تبقي نفسك في دوامة يملؤها الوهم والزيف, ان تكون نسخة افضل من نفسك لا تعني ضرورة السعي وراء ما لا يشبهك.
المهم ألا نكفّ عن الإصغاء لذلك الصوت الصغير بداخلنا  ذاك الذي يتساءل ويقلق، ويتوقف عند كل لحظة مفصلية خوفًا من أن نخذل ذواتنا.

فالنضج لا يعني أن نكون دائمًا على صواب، بل أن نكون دائمًا في حالة وعي مستمر.

وأن نعي، يعني أن نميّز بين ما يُنمّينا حقًا، وما قد يُطفئ نورنا تدريجيًا ونحن نحاول أن نبدو مقبولين حتى لدى أنفسنا. 


تعليقات

المشاركات الشائعة